فصل: ما يُكتب للمريض من العمل:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: موسوعة الفقه الإسلامي



.5- أن يكون بين الخوف والرجاء:

يخاف عقاب الله على ذنوبه، ويرجو رحمة ربه.
عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم دَخَلَ عَلَى شَابٍّ وَهُوَ فِي المَوْتِ فَقَالَ: «كَيْفَ تَجِدُكَ؟» قَالَ: وَالله يَا رَسُولَ الله إنِّي أَرْجُو اللهَ وَإِنِّي أَخَافُ ذنُوبي. فَقَالَ رَسُولُ: «لاَ يَجْتَمِعَانِ فِي قَلْب عَبْدٍ فِي مِثلِ هَذا المَوْطِنِ إِلاَّ أَعْطَاهُ اللهُ مَا يَرْجُو وَآمَنَهُ مِمَّا يَخَافُ». أخرجه الترمذي وابن ماجه.

.فضل المرض والمصائب:

قال الله تعالى: {مَا كَانَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ وَمَنْ حَوْلَهُمْ مِنَ الْأَعْرَابِ أَنْ يَتَخَلَّفُوا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ وَلَا يَرْغَبُوا بِأَنْفُسِهِمْ عَنْ نَفْسِهِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ لَا يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ وَلَا نَصَبٌ وَلَا مَخْمَصَةٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَطَئُونَ مَوْطِئًا يَغِيظُ الْكُفَّارَ وَلَا يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَيْلًا إِلَّا كُتِبَ لَهُمْ بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ إِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ [120] وَلَا يُنْفِقُونَ نَفَقَةً صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً وَلَا يَقْطَعُونَ وَادِيًا إِلَّا كُتِبَ لَهُمْ لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ [121]} [التوبة:120- 121].
وَعَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قال: «مَا يُصِيبُ المُسْلِمَ، مِنْ نَصَبٍ وَلا وَصَبٍ، وَلا هَمٍّ وَلا حُزْنٍ وَلا أذىً وَلا غَمٍّ، حَتَّى الشَّوْكَةِ يُشَاكُهَا، إِلا كَفَّرَ اللهُ بِهَا مِنْ خَطَايَاهُ». متفق عليه.
وَعَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قالَ: أتَيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فِي مَرَضِهِ، وَهُوَ يُوعَكُ وَعْكاً شَدِيداً، وَقُلْتُ: إِنَّكَ لَتُوعَكُ وَعْكاً شَدِيداً، قُلْتُ: إِنَّ ذَاكَ بِأنَّ لَكَ أجْرَيْنِ؟ قال: «أجَلْ، مَا مِنْ مُسْلِمٍ يُصِيبُهُ أذىً إِلا حَاتَّ اللهُ عَنْهُ خَطَايَاهُ، كَمَا تَحَاتُّ وَرَقُ الشَّجَرِ». متفق عليه.
وَعَنْ أبي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: قال رَسُولُ: «مَنْ يُرِدِ اللهُ بِهِ خَيْراً يُصِبْ مِنْهُ». أخرجه البخاري.

.فضل الصبر على المرض والمصائب:

قال الله تعالى: {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ [155] الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ [156] أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ [157]} [البقرة:155- 157].
وقال الله تعالى: {قُلْ يَاعِبَادِ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا رَبَّكُمْ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ وَأَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةٌ إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ [10]} [الزُّمَر:10].
وَعَنْ أنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «إِنَّ اللهَ قال: إِذَا ابْتَلَيْتُ عَبْدِي بِحَبِيبَتَيْهِ فَصَبَرَ، عَوَّضْتُهُ مِنْهُمَا الجَنَّةَ». يُرِيدُ: عَيْنَيْهِ. أخرجه البخاري.
وَعَنْ عَطَاء بن أبِي رَبَاحٍ قَالَ: قَالَ لِي ابْنُ عَبَّاسٍ: ألا أُرِيكَ امْرَأةً مِنْ أهْلِ الجَنَّةِ؟ قُلْتُ: بَلَى، قال: هَذِهِ المَرْأةُ السَّوْدَاءُ، أتَتِ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَقالت: إِنِّي أصْرَعُ، وَإِنِّي أتَكَشَّفُ، فَادْعُ اللهَ لِي، قال: «إِنْ شِئْتِ صَبَرْتِ وَلَكِ الجَنَّةُ، وَإِنْ شِئْتِ دَعَوْتُ اللهَ أنْ يُعَافِيَكِ». فَقالت: أصْبِرُ فَقالت: إِنِّي أتَكَشَّفُ، فَادْعُ اللهَ لِي أنْ لا أتَكَشَّفَ، فَدَعَا لَهَا. متفق عليه.

.حكم شكوى المريض حاله:

المسلم يشكو حاله إلى ربه، ويجوز للمريض والمصاب أن يشكو للقريب والصديق والطبيب ما يجده من الألم والمرض، ما لم يكن ذلك على سبيل التسخط، وإظهار الجزع، وذلك لا ينافي الصبر؛ لأن لكل داء دواء، وقد أمرنا الله بالتداوي، ولا يُعلم ذلك إلا بكشف الحال.
قال الله تعالى: {وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ [83] فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِنْ ضُرٍّ وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ [84]} [الأنبياء:83، 84].
وقال الله تعالى: {قَالَ إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ [86]} [يوسف:86].
وَعَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى رَسُولِ وَهُوَ يُوعَكُ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ الله، إِنَّكَ لَتُوعَكُ وَعْكاً شَدِيداً؟ قال: «أجَلْ، إِنِّي أوعَكُ كَمَا يُوعَكُ رَجُلانِ مِنْكُمْ». قُلْتُ: ذَلِكَ أنَّ لَكَ أجْرَيْنِ؟ قال: «أجَلْ، ذَلِكَ كَذَلِكَ، مَا مِنْ مُسْلِمٍ يُصِيبُهُ أذىً، شَوْكَةٌ فَمَا فَوْقَهَا، إِلا كَفَّرَ اللهُ بِهَا سَيِّئَاتِهِ، كَمَا تَحُطُّ الشَّجَرَةُ وَرَقَهَا». متفق عليه.

.أحوال الناس عند المصائب:

الإنسان إذا أصابته مصيبة له أربعة أحوال:
التسخط، وهو محرم.
الصبر، وهو واجب.
الرضا، وهو مستحب.
الشكر، وهو أعلاها وأكملها.

.حكم التداوي من المرض:

يسن للإنسان إذا أصابه المرض أن يتداوى؛ لأن الذي أنزل الداء أنزل الدواء، وليزول ما به من علة، فينشط لعبادة ربه، وتعليم شرعه، والدعوة إليه، والجهاد في سبيله، وإصلاح أموره، ونفع غيره، فإن غلب على ظنه الهلاك بتركه فهو واجب، وإن تساوى الأمران فتركه أولى؛ لئلا يلقي الإنسان بنفسه إلى التهلكة من حيث لا يشعر.
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضيَ اللهُ عنهُ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَا أَنْزَلَ اللهُ دَاءً إِلاَّ أَنْزَلَ لَهُ شِفَاءً». أخرجه البخاري.
وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «الشِّفَاءُ فِي ثَلاثَةٍ: فِي شَرْطَةِ مِحْجَمٍ، أَوْ شَرْبَةِ عَسَلٍ، أَوْ كَيَّةٍ بِنَارٍ، وَأَنَا أَنْهَى أُمَّتِي عَنِ الكَيِّ». أخرجه البخاري.
وَعَنِ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْها قَالتْ: سَمِعَتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «إِنَّ هَذِهِ الحَبَّةَ السَّوْدَاءَ شِفَاءٌ مِنْ كُلِّ دَاءٍ، إِلاَّ مِنَ السَّامِ». قُلْتُ: وَمَا السَّامُ؟ قال: المَوْتُ. أخرجه البخاري.
وَعَنِ عَبْدِالله بْنِ عُمَرَ رَضيَ اللهُ عَنْهما عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «الحُمَّى مِنْ فَيْحِ جَهَنَّمَ، فَأَطْفِئُوهَا بِالمَاءِ». متفق عليه.
وَعَنْ جَابِرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنْ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم أَنّهُ قَالَ: «لِكُلّ دَاءٍ دَوَاءٌ، فَإِذَا أُصِيبَ دَوَاءُ الدّاءِ بَرَأَ بِإِذْنِ الله عَزّ وَجَلّ». أخرجه مسلم.

.فضل عيادة المريض:

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ: «إِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ يَقُولُ يَوْمَ القِيَامَةِ، يَا ابْنَ آدَمَ! مَرِضْتُ فَلَمْ تَعُدْنِي، قَالَ: يَا رَبِّ! كَيْفَ أَعُودُكَ؟ وَأَنْتَ رَبُّ العَالَمِينَ، قَالَ: أَمَا عَلِمْتَ أَنَّ عَبْدِي فُلاَناً مَرِضَ فَلَمْ تَعُدْهُ، أَمَا عَلِمْتَ أَنَّكَ لَوْ عُدْتَهُ لَوَجَدْتَنِي عِنْدَهُ». أخرجه مسلم.
وَعَنْ ثَوْبَانَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنْ رَسُولِ قَالَ: «مَنْ عَادَ مَرِيضاً لَمْ يَزَلْ فِي خُرْفَةِ الجَنَّةِ»: قِيلَ يَا رَسُولَ الله! وَمَا خُرْفَةُ الجَنَّةِ؟ قَالَ:«جَنَاهَا». أخرجه مسلم.

.حكم عيادة المغمى عليه:

يسن للمسلم عيادة المريض ولو كان مغمى عليه؛ لما في ذلك من جبر خاطر أهله، وما يرجى من بركة دعاء العائد، والمسح على جسده، والنفث عليه.
عَنْ جَابِر بن عَبْدالله رَضِيَ اللهُ عَنْهُما قالَ: عَادَنِي رَسُولُ وَأَنَا مَرِيضٌ، وَمَعَهُ أَبُو بَكْرٍ، مَاشِيَيْنِ، فَوَجَدَنِي قَدْ أُغْمِيَ عَلَيّ، فَتَوَضّأَ رَسُولُ، ثُمّ صَبّ عَلَيّ مِنْ وَضُوئِهِ فَأَفَقْتُ، فَإِذَا رَسُولُ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ الله كَيْفَ أَصْنَعُ فِي مَالِي؟ فَلَمْ يَرُدّ عَلَيّ شَيْئاً، حَتّى نَزَلَتْ آيَةُ المِيرَاثِ. متفق عليه.

.حكم البكاء على المريض والميت:

عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: دَخَلْنَا مَعَ رَسُولِ عَلَى أَبِي سَيْفٍ القَيْنِ، وَكَانَ ظِئْراً لإِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلاَم، فَأَخَذَ رَسُولُ إِبْرَاهِيمَ فَقَبَّلَهُ وَشَمَّهُ، ثُمَّ دَخَلْنَا عَلَيْهِ بَعْدَ ذَلِكَ، وَإِبْرَاهِيمُ يَجُودُ بِنَفْسِهِ، فَجَعَلَتْ عَيْنَا رَسُولِ تَذْرِفَانِ، فَقَالَ لَهُ عَبْدُالرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ: وَأَنْتَ يَا رَسُولَ الله؟ فَقَالَ: «يَا ابْنَ عَوْفٍ، إِنَّهَا رَحْمَةٌ». ثُمَّ أَتْبَعَهَا بِأُخْرَى، فَقَالَ صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ العَيْنَ تَدْمَعُ، وَالقَلْبَ يَحْزَنُ، وَلاَ نَقُولُ إِلاَّ مَا يَرْضَى رَبُّنَا، وَإِنَّا بِفِرَاقِكَ يَا إِبْرَاهِيمُ لَمَحْزُونُونَ». متفق عليه.
وَعَنْ عَبْدِالله بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنهُمَا قَالَ: اشْتَكَى سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ شَكْوَى لَهُ، فَأَتَاهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَعُودُهُ، مَعَ عَبْدِالرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، وَسَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ، وَعَبْدِالله بْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُمْ، فَلَمَّا دَخَلَ عَلَيْهِ، فَوَجَدَهُ فِي غَاشِيَةِ أَهْلِهِ، فَقَالَ: «قَدْ قَضَى». قَالُوا: لاَ يَا رَسُولَ الله، فَبَكَى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم، فَلَمَّا رَأَى القَوْمُ بُكَاءَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بَكَوْا، فَقَالَ: «أَلاَ تَسْمَعُونَ، إِنَّ اللهَ لاَ يُعَذِّبُ بِدَمْعِ العَيْنِ، وَلاَ بِحُزْنِ القَلْبِ، وَلَكِنْ يُعَذِّبُ بِهَذَا-وَأَشَارَ إِلَى لِسَانِهِ- أَوْ يَرْحَمُ». متفق عليه.

.حكم وصية المريض:

إذا مرض الإنسان ولم يكتب وصيته فيجب عليه أن يوصي.
والوصية المشروعة نوعان:
وصية فرض، ووصية سنة.
فالوصية المفروضة هي الواجبة عليه إما لحق الله كالزكاة، والكفارات التي لم تؤدى، وإما لحق الناس كالديون، والودائع الواجبة عليه للناس.
فيجب عليه أن يوصي من يقوم بأداء ذلك عنه.
وأما الوصية المسنونة فقسمان:
أحدهما: في المال، فإن كان في ماله كثرة، وفي الورثة قلة، فالسنة أن يوصي بالثلث فأقل لغير الورثة كما سبق.
وإن كان في المال قلة، وفي الورثة كثرة، فالسنة أن لا يوصي بشيء من الثلث.
الثاني: في التقوى، بأن يوصي أهله ويرغبهم بلزوم الدين، وطاعة الله ورسوله، والاستقامة على الأعمال الصالحة حتى الموت.
قال الله تعالى: {وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَابَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [132]} [البقرة:132].

.ما يُكتب للمريض من العمل:

عَنْ أبي مُوسَى رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: قال رَسُولُ: «إِذَا مَرِضَ العَبْدُ، أوْ سَافَرَ، كُتِبَ لَهُ مِثْلُ مَا كَانَ يَعْمَلُ مُقِيماً صَحِيحاً». أخرجه البخاري.

.2- الموت وأحكامه:

الموت: فراق الحياة بخروج الروح من الجسد.

.حقيقة الإنسان:

الإنسان خلقه الله مركباً من بدن وروح، والروح جسم نوراني علوي خفيف متحرك، ينفذ في الأعضاء، ويسري فيها سريان الماء في العود، فيبقى الجسم حياً ما دامت فيه الروح.
فإذا خرجت الروح من البدن مات الإنسان، وفسد الجسم، وتعطل عن الحركة والعمل.
والروح هي مناط التكليف، وما الجسم إلا لباس لها ومركب، وهي من علم الله، تُرى آثارها، ولا أحد يعلم بمكانها، ولا يرى أحد جسمها إلا عند الموت إذا خرجت.
قال الله تعالى: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا [85]} [الإسراء:85].
وَعَنْ أمِّ سَلَمَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْها قَالَتْ: دَخَلَ رَسُولُ عَلَى أبِي سَلَمَةَ وَقَدْ شَقَّ بَصَرُهُ، فَأغْمَضَهُ، ثُمَّ قَالَ: «إِنَّ الرُّوحَ إِذَا قُبِضَ تَبِعَهُ البَصَرُ». أخرجه مسلم.

.أجل الموت:

الإنسان مهما طال أجله فلابد أن يموت، ثم ينتقل من دار العمل إلى دار الجزاء، ثم يستقر حسب عمله في الجنة أو النار.
قال الله تعالى: {قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلَاقِيكُمْ ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ [8]} [الجمعة:8].
وقال الله تعالى: {وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْسًا إِذَا جَاءَ أَجَلُهَا وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ [11]} [المنافقون:11].
وقال الله تعالى: {كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ [185]} [آل عمران:185].

.ذكر الموت:

يجب على المسلم أن يتذكر الموت دائماً، لا على أن فيه فراق الأهل والأحباب ولذات الدنيا فحسب، فهذه نظرة قاصرة.
بل يتذكر الموت على أن فيه فراق الأعمال الصالحة، والحرث للآخرة.
وبهذا يُقبل على ربه، ويزيد في الأعمال الصالحة، ويسارع إليها.
أما النظرة الأولى فتزيده حسرة وألماً.
عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ: «أَكْثرُوا ذِكْرَ هَاذِمِ اللَّذاتِ». أخرجه الترمذي والنسائي.

.صفة الاستعداد للموت:

يجب على المسلم أن يستعد للموت دائماً.
والاستعداد للموت يكون بما يلي:
إخلاص العمل لله، والتجافي عن دار الغرور، والإنابة إلى دار الخلود، والتوبة من المعاصي، والخروج من المظالم، وأداء الحقوق، وفعل الطاعات، واجتناب المحرمات، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، وكثرة ذكر الموت.
قال الله تعالى: {قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا [110]} [الكهف:110].
وقال الله تعالى: {وَأَنْفِقُوا مِنْ مَا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلَا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ [10] وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْسًا إِذَا جَاءَ أَجَلُهَا وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ [11]} [المنافقون: 10- 11].

.سكرات الموت:

السكرة: هي ما يحول بين المرء وعقله، وشدة الموت على المؤمن لا تدل على نقص في المرتبة، بل هي إما زيادة في حسناته، وإما تكفير لسيئاته، أما الكافر فهي زيادة في عذابه.
فالأموات قسمان:
إما مستريح، وإما مستراح منه، وكلٌّ منهما يجوز أن يُشدَّد عليه عند الموت وأن يُخفَّف، فالمومن المتقي يزداد به ثواباً، وإلا يكفر عنه من ذنوبه به، ثم يستريح من أذى الدنيا.
والفاجر يستريح منه العباد والبلاد، لما يأتي به من المعاصي التي يحصل بسببها الجدب وهلاك الحرث والنسل.
قال الله تعالى: {وَلَوْ تَرَى إِذْ يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُوا الْمَلَائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ وَذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ [50] ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ [51]} [الأنفال:50- 51].
وَعَنْ عَائِشَةَ رَضِي الله عَنْهَا قَالتْ: إِنَّ رَسُولَ كَانَ بَيْنَ يَدَيْهِ رَكْوَةٌ، أوْ: عُلْبَةٌ فِيهَا مَاءٌ-يَشُكُّ عُمَرُ- فَجَعَلَ يُدْخِلُ يَدَيْهِ فِي المَاءِ، فَيَمْسَحُ بِهِمَا وَجْهَهُ، وَيَقُولُ: «لا إِلَهَ إِلا اللهُ، إِنَّ لِلْمَوْتِ سَكَرَاتٍ». ثُمَّ نَصَبَ يَدَهُ فَجَعَلَ يَقُولُ: «فِي الرَّفِيقِ الأعْلَى». حَتَّى قُبِضَ وَمَالَتْ يَدُهُ. متفق عليه.
وَعَنْ أبِي قَتَادَةَ بْنِ رِبْعِيٍّ الأنْصَارِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أنَّهُ كَانَ يُحَدِّثُ: أنَّ رَسُولَ مُرَّ عَلَيْهِ بِجِنَازَةٍ، فَقال: «مُسْتَرِيحٌ وَمُسْتَرَاحٌ مِنْهُ». قالوا: يَا رَسُولَ الله، مَا المُسْتَرِيحُ وَالمُسْتَرَاحُ مِنْهُ؟ قال: «العَبْدُ المُؤْمِنُ يَسْتَرِيحُ مِنْ نَصَبِ الدُّنْيَا وَأذَاهَا إِلَى رَحْمَةِ الله، وَالعَبْدُ الفَاجِرُ يَسْتَرِيحُ مِنْهُ العِبَادُ وَالبِلادُ، وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ». متفق عليه.

.حكم تمني الموت:

لا يجوز للمسلم تمني الموت لما يلي:
أن تمني الموت لمرض، أو خوف، أو محنة، أو فاقة ونحو ذلك يدل على الجزع والسخط من أقدار الله المؤلمة التي وعدنا الله على الصبر عليها بالأجر الجزيل.
قال الله تعالى: {إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ [10]} [الزُّمَر:10].
وَعَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ: «لاَ يَتَمَنَّيَنَّ أَحَدُكُمُ المَوْتَ لِضُرٍّ نَزَلَ بِهِ، فَإِنْ كَانَ لابد مُتَمَنِّياً فَلْيَقُلِ: اللهمَّ أَحْيِنِي مَا كَانَتِ الحَيَاةُ خَيْراً لِي، وَتَوَفَّنِي إِذَا كَانَتِ الوَفَاةُ خَيْراً لِي». متفق عليه.
أن تمني الموت فيه انقطاع الأعمال الصالحة، وفي الحياة استمرار الإيمان، والأعمال الصالحة، وزيادة الأجور.
عَنْ أبي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ يَقُولُ: «لَنْ يُدْخِلَ أحَداً عَمَلُهُ الجَنَّةَ». قَالُوا: وَلا أنْتَ يَا رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا، وَلا أنَا، إِلا أنْ يَتَغَمَّدَنِي اللهُ بِفَضْلٍ وَرَحْمَةٍ، فَسَدِّدُوا وَقَارِبُوا، وَلا يَتَمَنَّيَنَّ أحَدُكُمُ المَوْتَ: إِمَّا مُحْسِناً فَلَعَلَّهُ أنْ يَزْدَادَ خَيْراً، وَإِمَّا مُسِيئاً فَلَعَلَّهُ أنْ يَسْتَعْتِبَ». أخرجه البخاري.
وَعَنْ أَبي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: قَالَ رَسُولُ: «لاَ يَتَمَنَّى أَحَدُكُمُ المَوْتَ، وَلاَ يَدْعُ بِهِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَهُ، إِنَّهُ إِذَا مَاتَ أَحَدُكُمُ انْقَطَعَ عَمَلُهُ، وَإِنَّهُ لاَ يَزِيدُ المُؤْمِنَ عُمْرُهُ إِلاَّ خَيْراً». أخرجه مسلم.
إذا كان مصراً على تمني الموت يفوض الأمر إلى الله الحكيم العليم بمصالح عباده، وبيده مقاليد الأمور.
قال الله تعالى: {وَمَنْ أَحْسَنُ دِينًا مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ وَاتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا [125]} [النساء:125].
وَعَنْ أنَسٍ رَضيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ: «لا يَتَمَنَّيَنَّ أحَدٌ مِنْكُمُ المَوْتَ لِضُرٍّ نَزَلَ بِهِ، فَإِنْ كَانَ لابد مُتَمَنِّياً لِلْمَوْتِ فَلْيَقُلِ: اللهمَّ أحْيِنِي مَا كَانَتِ الحَيَاةُ خَيْراً لِي، وَتَوَفَّنِي إِذَا كَانَتِ الوَفَاةُ خَيْراً لِي». متفق عليه.

.علامات حسن الخاتمة:

الله عز وجل هو الذي يعلم وحده بما في قلوب العباد، فيختم لمن آمن به وأطاعه بالعمل الذي يحبه الله ويرضاه، وبه يرفع درجاته، ويكفر عنه سيئاته، ويزيد في أجره.
ومن علامات حسن الخاتمة:
نطق المسلم بالشهادة عند الموت.
الاستشهاد أو الموت في سبيل الله.
الموت مرابطاً في سبيل الله.
الموت دفاعاً عن دينه، أو نفسه، أو ماله، أو أهله ممن بغى عليه.
الموت بذات الجَنْب، أو بداء السَّل.
الموت بالطاعون، أو بداء البطن، أو الغرق، أو الحرق، أو الهدم.
موت المؤمن بعرق الجبين من شدة سكرات الموت.
موت المرأة في نفاسها بسبب الولادة.
الموت على عمل صالح كأن يموت وهو يصلي، أو يذكر الله ونحو ذلك.
وكل ذلك ثابت في الأحاديث النبوية الصحيحة.